رواية “فضل الليل على النهار” لياسمينة خضرا بعيون أوكرانية

أولا وقبل كل شيء، أريد الإشارة إلى أن الكتاب الجزائريين غير معروفين بشكل كبير لدى القارئ بمنطقة أوروبا الشرقية، قد يكون للأمر علاقة بندرة ترجمة أعمالهم باللغة الروسية، أو لأن اللغة الفرنسية لا تشكل اهتماما كبيرا للقارئ بهذه المنطقة.
على أية حال، بالنسبة لي شخصيا حاجز اللغة يعتبر الحجاب الرئيس بيني وبين الأدب الجزائري.

كتاب ياسمينة خضرا “فضل الليل على النهار” أصبح بالنسبة لي فتحا عظيما. بدت أمامي الجزائر من خلاله في عالم مختلف تماما، مما جعلني أعيد التفكير في العديد من الظواهر الإجتماعية المهمة حول قيمة مصير الانسان، أحاول وضعها في الميزان.
هل علينا الاستكانة للمصير؟، هل يمكن للانسان أن يقرر من هو؟، أن يكون ضحية أم أن يكون قائدا.
البطل الرئيسي في الكتاب، يونس أو “جونيس”، لم يستطع أن يفهم مكانه تحت السماء، وكما يقال “ليس بلحم ولا سمك” (مثل روسي).
موضوع الكتاب يأخذنا إلى وقت كان فيه ان تكون جزائريا معناه أن تكون عبدا، أن تكون تحت إرادة ما، كمعاق بامكانيات محدودة، بحيث لم يكن الجزائريون أربابا  في منازلهم.
كم من مرة.. الحزن الدائم والأسى المحتوم الذي لا يغير طريقه كومضات في عيون الناس. بماذا يجب أن يشعر طفل في  عامه العاشر يعيش في قاع الفقر. الطفل الصغير الذي رأى بأم عينه كيف كسرت الأحداث ظهر أبيه.
يونس، مثل ذئب بري، حٌرم من كل أنواع التواصل مع أقرانه، في منزل والديه كان الكلب صديقه. ومع هجرتهم إلى أحد أحياء وهران الفقيرة كان من المستبعد الحديث عن الصداقة مع أطفال سكنت أرواحهم الغلاضة والغضاضة. أحزان أسرته والخطر، والمشي وحيدا أصبح واقعه الجديد.
فجأة وفي عتمة هذا الظلام الدامس ينبعث نور، يونس أصبح “جونس”، ليتغير كل شيء في حياته رأسا على عقب. في أغنى وأنظف احياء المدينة، مدرسة فرنسية، أكل مناسب، غرفة خاصة.
على ما يبدو، جاءت الفرصة ليصبح طفلا سعيدا،  لولا ذاك الاختيار الرهيب للوالدين، الفراق مع الابن من أجل مستقبله، هو أيضا مأساة.
الأوقات الصعبة تهدم الأسرة وتبعد بين أفرادها من أجل خلاصهم ورفاهيتهم.
في هذه القصة، عزة نفس الوالد بدت سخيفة منذ البداية ولم تزد الأسرة إلا المعاناة ، ومع تقديم الوالد إبنه لأخيه، أعطى الرجل أمله الأخير معلنا هزيمته أمام الواقع المر والحقيقة القاسية.
بعد هذه الحلقات، كنت أنتظر شخصيا أن يقوم العم بأخذ شقيقة الصبي الصغرى، لكن ذلك لم يحدث. لمذا؟، هل يعني هذا ان الولد أكثر قيمة من الفتاة؟، هل لدى الأسرة الجزائرية البنت لا تعني شيئا، ولا تمثل أي قيمة؟، هذه الأسئلة لازالت تحتاج إجابة بالنسبة لي؟.
وبالعودة إلى بطل الرواية ووضعه الجديد، سأعود حتما إلى هويته. الحياة الهانئة لم تنسه البحث عن نفسه، فمن خلال النكت والتعليقات السيئة للفرنسيين، أحس بالذل. “جونس” أصبح يعرف بالضبط أنه عربي، لكنه لم يستطع فهم ما تعنيه هذه الكلمة.
مثلما يقال عندنا “القلب لا يمكن أن تفرض عليه شيئا”، كان بطلنا في هذه الرواية، برغم كل “التحولات النفسية”، فهو يصادف في طريقه الحب تجاه أصدقائه، الحب تجاه المرأة، وكل ماهو مهم يتحول فجأة إلى عبارة “الجزائر الفرنسية”.
هل يمكننا إلقاء اللوم عليه حول قبوله بذلك النظام الذي ولد فيه، انتقاد علاقته مع المستعمرين؟،  في النهاية، كل شخص يتكيف، ويبحث كل واحد منا عن شيء مهم في حياته، هو قد وجد طريقه مع هؤلاء الناس، وأصبح غريبا بين أهله وليس بين الغرباء.
عندما ثار شعبه.. “جونس” لم يستطع الاختيار، لم يستطع أن يخون لا هؤلاء ولا أولئك، هو اعترف بثورة الجزائريين، وفي الوقت نفسه لم يستطع أن يمحوا من قلبه أصدقائه المقربين. أفضل شيء فعله واصل “ثنائيته”، ساعد المجاهدين الجزائريين، وواصل عيشه ضمن “الجزائر الفرنسية”، لم يعق لا هؤلاء ولا أولئك من صناعة التاريخ.
الحرب ليست فقط فكرة سياسية “ملفوفة”. الحرب هي حياة كل إنسان – ألف مكتوب ــ  لتاريخ واحد ممزوج بدم مختلط وصيحات السعادة “أورااااااا” (عبارة تنطقها شعوب روسيا وأوكرانيا عند الفرح بشيء ما أو عند النصر).
بعد رميها الأغلال وحصولها على الحرية، الجزائر مثلها مثل “جونيس”، لم تستطع محو صورة فرنسا بين من يمجدها وبين من يحقد عليها.
هل الجزائريين سعداء بحريتهم؟ هل حصلوا على النتيجة التي سعوا إليها؟.
بعد سنوات عديدة وبالنسبة للعجوز “جونيس” لم يتغير شيء، في نفسه وكما في السابق لا زال يعيش الحب تجاه وطنه، الحب تجاه اصدقائه، وحب ذكرى شبابه.
أريد أن أقول شكرا جزيلا “ياسمينة خضرا” عن كل لحضة من لحضات الاثارة التي عشتها مع هذا الكتاب. 1.2.3 تحيا الجزائر.

Комментарии

Популярные сообщения из этого блога

пару слов о женщинах в Алжире

Днепродзержинск

скучая по Родине